يبحث
أغلق مربع البحث هذا.

حرائق الغابات الأردنية و”شماعة” التغير المناخي

براء المعاني وأسيد ربابعة
تحتل الغابات مساحة ضئيلة جداً لا تتجاوز 1% من مساحة الأردن وتتعرض سنوياً للعديد من الاعتداءات والحرائق والتحطيب، ما يحدّ من المساحة الخضراء في المملكة.
بعض وسائل الإعلام المحلية الأردنية لا تغطي أسباب حرائق الغابات في الأردن بشكل علمي ودقيق، فعدة منابر إعلامية تروج إلى أن الحرائق نتاج تغير المناخ، وهذا ما أكدته المديرة التنفيذية لجمعية دبين للتنمية البيئية والناشطة المجتمعية البيئية هلا مراد، مبينة أن تناول هذا الموضوع في وسائل الإعلام بهذا الشكل، يُعد متسرعاً، ولا يستند إلى نضج علمي في التعبير الصحيح عن المعلومة الدقيقة، وأن هنالك إشكالية حقيقية في تفنيد ربط حرائق الغابات بتغير المناخ كأحد نتائجه، وأن على الإعلاميين أن يكونوا أكثر دقة في تناول هذا الموضوع.
التغطية الإعلامية
وفي هذا السياق، قمنا برصد التقارير الإعلامية بداية من عام 2014 حتى 2023، حول مسببات حرائق الغابات بالأردن. على سبيل المثال لا الحصر، استخدمت وسيلة إعلامية محلية هذا العنوان “الأردن عُرضة للجفاف والحرائق والفيضانات بسبب تغير المناخ” لتغطية حلقة متلفزة ونسبتها لضيف الحلقة، لكن بالعودة للمقابلة المصورة نفسها، تبين أن الضيف لم يتبنَ العلاقة السببية. وهنا تعنون وسيلة إعلامية مقالها بـ”لماذا تنشب حرائق الغابات في الأردن؟” لتجيب عنه في البداية على لسان خبير بـ”​​يشكل التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف سبباً لنشوب الحرائق” . وتحت هذا العنوان “الحرائق وتغير المناخ أيهما يشعل الآخر” ختمت صفحة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة منشورها إذ قالت في نهايته: “أحد الحرائق التي حدثت اليوم بسبب ارتفاع درجات الحرارة” إلا أن الجمعية استدركت خطأها وقامت بتعديله بعد ذلك. وهنا كذلك عنونت وكالة الأنباء الرسمية “ بترا ” مقالها “الأردن يرمِّم ما أفسده تغير المناخ.. زراعة 3 ملايين شجرة حرجية سنوياً” في إشارة إلى أن حرائق الغابات سببها التغير المناخي. وفي موقع “إذاعة حسنى” يرد تحت عنوان “ تأثيرات التغير المناخي تشعل حرائق الغابات في مناطق العالم “، وغيره من المقالات التي تبرز تغير المناخ كأحد المسببات الرئيسية للحرائق في الأردن أو في بقية أنحاء العالم.
مبالغة وتهويل
ويمكن ملاحظة أن جميع هذه الصيغ التي سلف ذكرها تجعل المتلقي يعتقد أن التغير المناخي هو سبب حرائق الغابات في الأردن وفي أنحاء العالم، فتُستخدم صيغ تحمل الكثير من التهويل والمبالغة لربط حرائق الغابات بالتغير المناخي، ناهيك عن استخدام التغير المناخي “كشماعة” للتنصل من المسؤولية المباشرة عن التسبب بالحرائق، أو معالجة هذا الملف بشكل جدي؛ ما يعطي مخرجاً آمناً للعديد من الجهات للتهرب من هذه المسؤولية.
غير أن الأخبار التي تتحدث عن اعتقال أشخاص تسببوا بهذه الحرائق، تفند سردية ربطها بالتغير المناخي، مثلاً: ” ضبط شخص تسبب بحريق 50 دونماً في جرش ” وكما ذكر الخبير البيئي عمر الشوشان ” فيما يتعلق بحرائق الغابات بشكل عام على المستوى العالمي وأيضاً على المستوى المحلي هناك ثلاثة أسباب رئيسية، السبب الأول يتعلق بفعل إنساني مباشر”، ويقول الدفاع المدني في فيديو إرشادي نشر على صفحته الرسمية في الدقيقة 1:03 “أهم أسباب نشوب هذا النوع من الحرائق يعود للممارسات غير المسؤولة التي يقوم بها بعض الأشخاص كاللجوء إلى التخلص من بعض الأعشاب عن طريق حرقها، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى امتداد النيران ووصولها إلى المناطق المجاورة، وقيام البعض بإلقاء “أعقاب السجائر”، الأمر الذي يؤدي إلى اشتعال الحرائق بالغابة وحرقها بالكامل”
ماذا يقول العلم والدراسات الحديثة؟
على المستوى العلمي والدراسات، نشرت المجلة العلمية نيتشر نيتشرمقالاً عام 2016 يتناول دور الأنشطة البشرية في زيادة احتمالية نشوب حرائق الغابات في الولايات المتحدة وكندا ما بين عام 1984 و2014، وأشارت بكل وضوح إلى وجود ارتباط وثيق بين الأنشطة البشرية والحرائق: “نادراً ما تكون حرائق الغابات طبيعية بحتة، ويجب على مديري الإطفاء أن يأخذوا ذلك في الاعتبار عند التفكير في كيفية تحول مخاطر الحرائق في عالم يزداد حرارة”. وذكر الصندوق العالمي للطبيعة ومجموعة بوسطن الاستشارية سنة 2020 في تقرير أن البشر مسؤولون عن نحو 75% من جميع حرائق الغابات ويمكن أن يرتبط الكثير من حوادث الحرائق خلال عام 2020 ارتباطاً مباشراً بالأفعال البشرية، وهذا يقودنا بالمحصلة إلى أن التغير المناخي ليس هو السبب الرئيسي وراء حرائق الغابات، ولكن في الوقت نفسه قد تكون له “علاقة ترابطية” باتساع رقعة انتشار الحريق أو سرعة انتشاره بسبب قلة معدل هطول الأمطار، أو موجات الجفاف وغيرها من الأسباب، حيث تربط هذه الورقة البحثية المنشورة في مجلة نيتشر عام 2018 بين موجات الجفاف والعوامل البشرية التي تتسبب بحرائق غابات الأمازون المطيرة.
مخالفات حرائق الغابات
بالعودة للتقارير السنوية المنشورة من قبل الإدارة الملكية لحماية الطبيعة، استطعنا رصد مخالفات حرائق الغابات في الأردن ما بين 2014-2020، إضافة إلى مقابلة الناطق باسم وزارة الزراعة لورنس المجالي الذي قال بتسجيل 500 حريق عام 2021 وتسجيل 190 حريقاً عام 2022، كما أوضح أن النتائج الأولية تشير إلى وجود متسبب بشري في إشعال الحريق، لافتاً إلى أنه بشكل تقديري “قرابة 60% من حوادث الحرائق مفتعلة لغايات جرمية واضحة وصريحة، كل هذه المعطيات أظهرت بشكل واضح تسبب العامل البشري في حرائق الغابات في الأردن وليس التغير المناخي.
كيف تحدث حرائق الغابات؟
“أرى أن أسباب حرائق الغابات في الأردن تحديداً، وكما نرصدها نحن ممن يقطن حول الغابات وأيضاً ما نسمعه من مجاوري الغابات قد تكون على الأغلب مفتعلة لأغراض التحطيب”. بهذه الجملة أجابت هلا مراد عن سؤالنا لها عن المسببات الرئيسية لحرائق الغابات في الأردن، وتضيف أن هناك أسباباً بشرية غير مباشرة تتعلق بالإهمال مثل رمي النفايات، وترك مواقد الشواء مشتعلة، ورمي أعقاب السجائر، كل هذه الأسباب قد تشعل شرارة الحريق، خاصة في فترة الجفاف ووجود بيئة مناسبة لانتشار رقعة النيران، وتؤكد مرة أخرى أن العامل البشري هو المتسبب بهذه الحرائق. وخلال مقابلة له مع معدي التقرير، لخص مدير مديرية الحراج بوزارة الزراعة المهندس خالد المناصير أسباب حرائق الغابات في الأردن بالرسم التالي:
من يتحمل المسؤولية؟
يقول المناصير إن وزارة الزراعة أطلقت خطة لدعم قطاع الحراج هذا العام إضافة للعام الماضي؛ ما أدى إلى تخفيف الحرائق وزيادة معدل التحريج، وفي المقابل تشير بعض وجهات النظر إلى وجود إهمال على حد وصفها إضافة للتقصير حول الإجراءات الوقائية عند ارتفاع درجات الحرارة، وعدم وجود خطوط نار، وكذلك عدم تفعيل وتعزيز أبراج المراقبة، بالإضافة إلى صعوبة الوصول إلى موقع الحريق، وحسب الخبراء يتحمل جزءاً من المسؤولية كذلك بعض المواطنين نتيجة التصرفات غير المسؤولة، التي تؤدي من دون قصد إلى حدوث حريق، وقيام بعض المزارعين بالتحطيب أو تنظيف مزارعهم القريبة من الغابات، من خلال حرق بقايا الأوراق وعدم اهتمامهم بإطفاء النار بشكل جيد، ما يتسبب بانتقال النيران بفعل الرياح للغابات ويؤدي إلى اشتعالها.
تم إنجاز هذا التقرير كمشروع تخرج من دبلوم أريج لتدقيق المعلومات من الشبكة العربية لمدققي المعلومات (AFCN) ضمن مشروع دليل، بدعم من الاتحاد الأوروبي وبالتعاون مع مؤسستي سايرين و جوسا، وقامت المدربة رحمة ضياء مؤسسة مدرسة المناخ بتدريب الخريجيين على تدقيق المعلومات المناخية وتقديم الاستشارات لهم خلال العمل على تنفيذ المشاريع. رابط التقرير الأصلي