يبحث
أغلق مربع البحث هذا.

التغيرات المناخية والنزاعات تعمق فجوة التفاوت بين الجنسين

كتبته: ريم بن خليفة

تعتبر التغيرات المناخية والنزاعات من أبرز التحديات التي تواجه البيئة العالمية اليوم، حيث يشترك كلاهما في التأثير السلبي العميق على النظم البيئية والموارد الطبيعية.
و تعرف التغيرات المناخية بأنها التحولات الطويلة الأمد التي تنجم بشكل رئيسي عن الأنشطة البشرية مثل الانبعاثات والغازات الدفيئة والتلوث بسبب الأنشطة الصناعية مثلا، تنجم عن هذه التغيرات ظواهر مثل الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر، مما يضر بالتنوع البيولوجي ويهدد الأمن الغذائي والمائي. من ناحية أخرى، تسهم النزاعات المسلحة في تدمير البيئة من خلال تلوث المياه والتربة وتدمير الغابات والبنية التحتية، جهود الحفاظ على البيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة كالقضاء على الفقر والجوع والمساواة بين الجنسين.

وتُفاقم التغيرات المناخية أيضا فجوة التفاوتات، بما في ذلك التفاوت بين الجنسين، الذي يرجع بالأساس إلى نماذج التنمية في المجتمعات الفقيرة التي تفتقر إلى أساليب وخطط التكيف الوطنية والقدرة على إيجاد الحلول الفعّالة.وتعاني النساء، في خضم ذلك، العنف والجوع والأمراض، لذلك يعد فهم مقاربة النوع خطوة حاسمة في إدماج الجنسين وإشراك النساء كعوامل تغيير ومكافحة التغيرات المناخية.

حالة السودان: مثال حي على معاناة النساء

في دول مثل السودان، التي تعاني النزاعات والتغيرات المناخية والإبادة البيئية، تظهر المشاهد المؤلمة للمعاناة الإنسانية بوضوح على شاشات التلفزيون والهواتف وترصد تقارير منظمة الصحة العالمية ذلك مع انتشار الجوع والأمراض بسبب تكدس النفايات وانعدام الرعاية الصحية وغيرها.

ويُعدّ السودان من الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي ذلك أنها تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة، وعدم انتظام هطول الأمطار الموسمية،و فترات جفاف طويلة، وفيضانات متكررة، وتؤدي هذه التهديدات إلى تفاقم مشاكل الصحة الجنسية، مثل انخفاض الرغبة الجنسية وتقليل الإنتاج الهرموني، فيما يؤدي نقص المياه وسوء التغذية والجوع إلى زيادة مشاكل الجنسانية والإخصاب.

وتواجه النساء والفتيات زيادة في أوجه الضعف إزاء جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، والاتجار بالبشر، وتزويج الأطفال، وغيرها من أشكال العنف.
و شأنها شأن النزاعات، تزيد الكوارث المرتبطة بهذه التغيرات، مثل الفيضانات والجفاف، إلى تهجير العديد من العائلات وفقدانها مصادر رزقها وتكون النساء في مثل هذه الحالات أيضا، أكثر عرضة للفقر والتشرد والاستغلال الجنسي ، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة عام 2018، فإن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي كن نساء( Aguilar, L. (2009

كما تزيد التغيرات المناخية من حوادث العبودية الجنسية وزواج القاصرات، والذي غالبا ما يتم كمحاولة للتخلص من عبء الفتيات في ظل تراجع مداخيل الأسر المزارعة والفقيرة. علاوة على ذلك، تجعل هذه الكوارث من الصعب على الفتيات الحصول على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والدعم المجتمعي، ولكن خلال الكوارث، يمكن أن تصبح الفوط الصحية نادرة أو باهظة الثمن عدم توفر هذه المنتجات يمكن أن ينتج مشاكل صحية ونفسية خطيرة، خلال زلزال نيبال عام 2015 مثلا، واجهت النساء في المناطق المنكوبة صعوبة كبيرة في الحصول على الفوط الصحية، حيث اضطرت العديد منهن لاستخدام مواد بديلة وغير صحية، مما أدى إلى انتشار التهابات وأمراض.

عبء إضافي على النساء في تأمين الموارد

تعد الزراعة أهم قطاع عمل للنساء في البلدان منخفضة الدخل والبلدان ذات الدخل أقل من المتوسط، فتضطر النساء خلال فترات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار، إلى بذل مجهود أكبر في العمل لتأمين الدخل والموارد لأسرهن، مما يفرض ضغوطًا إضافية على الفتيات اللائي كثيرًا ما يضطررن إلى التخلي عن الدراسة لمساعدة أمهاتهن على تحمل العبء المتزايد.

وأفاد تقرير “المناخ الجائر” الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في مارس الماضي أنّ تغير المناخ يؤثر بصورة غير متكافئة على دخل النساء الريفيات، والأشخاص الذين يعانون من الفقر، والسكان المسنين، إذ ليس لديهم القدرة نفسها على الاستجابة للأحداث المناخية القصوى والتكيف معها.
ويشير التقرير إلى أن النساء ربّات الأسر في المناطق الريفية الواقعة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يعانين كل عام من خسائر مالية أكبر بكثير من نظرائهن الرجال.
أما الأسر التي تعيلها النساء تخسر في المتوسط نسبة 8% من دخلها بسبب الإجهاد الحراري ونسبة 3% إضافية بسبب الفيضانات، مقارنة مع الأسر التي يعيلها الرجال. ويتجلى ذلك من خلال انخفاض حصة الفرد بقيمة 83 دولارًا أمريكيا بسبب الإجهاد الحراري وبقيمة 35 دولارًا أمريكيًا بسبب الفيضانات، مما يجعل إجمالي الانخفاض يصل إلى 37 مليار دولار أمريكي و16 مليار دولار أمريكي على التوالي في جميع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

التسرب المدرسي وانخفاض التحصيل الأكاديمي

إن انخفاض الدخل وسوء التغذية وانعدام المساواة بسبب تقاطع النزاعات والتغيرات المناخية،يطال التحصيل التعليمي والأداء الأكاديمي فتتزايد معدلات التغيب عن المدرسة بين الفتيات اللاتي تعرضن لصدمات مناخية أوبفعل الخوف وانعدام الأمن وتدمير البنية التحتية، فيما تضطر أخريات إلى الانقطاع المدرسي.

في مناطق على غرار الصومال وإثيوبيا، أدى الجفاف المتكرر و ندرة المياه إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، مما اضطر الأسر إلى الاعتماد على الفتيات لجلب المياه من مسافات بعيدة أو العمل في الحقول بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.
أما في ملاوي، تسببت الفيضانات في تدمير المدارس والمنازل، مما جعل استمرار تعليم الفتيات صعبا بسبب تدهور البنية التحتية والحاجة إلى إعادة بناء المجتمعات. كذلك، في نيجيريا، تتزايد معدلات زواج القاصرات كوسيلة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية الناجمة عن خسائر المحاصيل الزراعية المرتبطة بتغير المناخ، مما يؤدي إلى توقف الفتيات عن التعليم في سن مبكرة.

سوء التغذية والأمراض

يساهم تغير المناخ أيضا في انعدام الأمن الغذائي، مما يرفع معدلات سوء التغذية ويؤدي إلى أمراض مثل فقر الدم لدى الفتيات اليافعات، وحسب تقرير اليونيسيف “يعانين من نقص التغذية والتجاهل.. أزمة تغذية عالمية للمراهقات والنساء”، فإن البلدان المعنية بسوء التغذية هي إثيوبيا وأفغانستان وبوركينا فاسو وتشاد وجنوب السودان والسودان والصومال وكينيا ومالي والنيجر ونيجيريا واليمن، وأكد أن انعدام المساواة المستمر يعمق أزمة التغذية بين المراهقات والنساء، فقد ارتفع عدد المراهقات والحوامل والمرضعات اللاتي يعانين من سوء تغذية شديد ارتفاعا حادا من 5.5 إلى 6.9 ملايين، أي بنسبة 25%، منذ عام 2020 في 12 بلدا ممن تحملت أشد تأثيرات أزمة الغذاء والتغذية العالمية.

إلى جانب العنف وسوء التغذية والأمراض أثناء الكوارث الطبيعية، تقل احتمالية نجاة النساء ويزداد احتمال إصابتهن أو موتهن بسبب التفاوتات المبنية على النوع الاجتماعي التي تخلق فوارق في المعرفة والقدرة على التنقل واتخاذ القرارات وإمكانية الحصول على الموارد والتدريب.

بناء السلام البيئي

للصمود في وجه التغيرات المناخية والتكيّف معها تحتاج الدول التي تعيش تقاطعية هذه الثنائية المدمرة على غرار السودان، إلى الموارد لإصلاح البنية التحتية وضمان قدرة أنظمة الرعاية الصحية والغذاء والمياه والطاقة على تحمّل الظواهر المناخية المتطرفة.

كما تحتاج اتخاذ تدابير وإجراءات استباقية لتعزيز بناء السلام البيئي، وتطوير نظام إنذار مبكر في إطار استراتيجيات التكيف مع المناخ هذا بصفة عامة أما بصفة خاصة فمن الضروري تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال تغير المناخ من عدة جوانب، كتقديم التدريب والتوعية للنساء والرجال حول تأثيرات تغير المناخ والسبل التي يمكن من خلالها المساهمة في تخفيف هذه التأثيرات، وضمان إتاحة التكنولوجيا والابتكارات اللازمة لتنفيذ الحلول المتعلقة بتغير المناخ للجميع، بما في ذلك النساء والفتيات في المجتمعات منخفضة الدخل.
كما تشمل التدابير توجيه التمويل والموارد بشكل عادل للجنسين، تحقيق المساواة في الوصول للفرص وتمكين النساء فيما يتعلق بالموارد المعنية بالتخفيف من تأثيرات تغير المناخ، مثل الانتقال الأخضر والأزرق عبر اعتماد الزراعة المستدامة والطاقات النظيفة.
ويجب أن تأخذ السياسات العامة والبرامج في اعتبارها الاحتياجات الخاصة للنساء والفتيات، خاصة فيما يتعلق بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ.

الصورة مأخوذة من موقع : Freepik